الاثنين، 1 أغسطس 2022

حكاية الشيطانة جربيس .. فيلم سلامة في خير كتب نهايتها على حبل المشنقة

جربيس - أم يني 

في عام ١٩٣٧، وأثناء عرض فيلم "سلامة في خير" في احدى دور العرض السينمائي في محافظة إسكندرية .. وقف أحد الحاضرين أثناء عرض الفيلم وظل يصرخ بجنون وشكل هيستيري أرعب كل الحاضرين لدرجة أدت إلى ابلاغ الشرطة عنه. 

ولما بدأ التحقيق مع هذا الشخص تبين أنه يدعى "محمد عبد الله"  وهو تاجر ذهب شهير في الاسكندرية

حكاية محمد عبدالله و أم يني 

كشفت التحقيقات عن أن "محمد" كان لديه محل كبير لبيع الذهب والمصوغات، ونشر إعلانا يطلب فيه سكرتيرة تساعده في إدارة وأعمال متجره، وكان ضمن من تقدمن للوظيفة المعلن عنها سيدة تدعى "جربيس" وظفها لديه وبمرور الوقت أحبها وتزوجها وأنجبا ابنا ذكرا اسمياه "يني"

وبعد سنوات من الزواج، طمعت الشيطانة في صورة إنسان في تجارة زوجها التي يشاركه فيها شقيقه الوحيد وقررت نسج حكاية مخادعة توهم بها زوجها بطمع اخيه فيها ورغبته فيها  

واختارت جربيس ليلة حالكة، لتنفيذ مخططها الشرير للايقاع بين الشقيقين، وفي هذه اللحظة وما ان يدخل زوجها من الباب بينما يقبع اخيه في غرفته، تعلو اصوات الضجيج من داخل حجرة شقيقه وتعلو صرخاتها وتوسلاتها فيتجه الزوج المخدوع الى غرفة اخيه فيجدها وقد تعلقت بتلابيب ملابسه وهي تدعي أنه كان يحاول اغتصابها بعد فشله مرات عديدة  في مراودتها عن نفسها 

وقبل أن يترك محمد فرصة لأخيه كي يدافع عن نفسه، سولت له نفسه قتل أخيه فقتله، بأن انهال عليه ضربا بعصا خشبية ثقيلة "شومة" فأرداه قتيلا

ما ان استفاق الزوج المخدوع من وهمه وخرج من دائرة غضبه، حتى وجد أخيه مضرجا في دمائه جثة هامدة، طريحة ارض غرفته، في مشهد مرعب، ورغم ان محمدا كان مفزوعا من صورة المشهد البشع، حيث تحول إلى قاتل ومن يديه يقطر دم أخيه، الا أن جربيس هدأت من روعه وطمأنته من أنها ستتولى إخفاء الجثة في مكان لن يستطيع اي احد الوصول اليه 

اتفق القاتل والمحرضة على تلفيق قصة عن سفر الشقيق المغدور إلى ايطاليا، لتخفي بهذه القصة المختلقة جريمتهما وتبرر اختفائه أمام والدته  

وكان الموضوع مستساغا لتعود الضحية على السفر الى الخارج من وقت لآخر، إلا أن الأيام والشهور والسنون قد مرت دون ما اي اخبار تصل الى الوالدة المغفلة عن غياب ولدها الاصغر، وتضارب الروايات التي تسمعها من شقيقه عن سبب سفره المفاجئ وانقطاع أخباره 

ولما طالت غيبته، بدأ يساور قلبها الشكوك والريبة من طول غيبته وانقطاع اخباره، فقررت الذهاب للسؤال عن صحة خروجه من مصر اصلا، فاتجهت إلى الجوازات حيث سمعت العبارة التي شرخت روحها واستلت عقلها وهربت الدم من عروقها لما قالولها "ابنك مخرجش من مصر أصلا"

عادت الام مسلوبة الفكر معدومة الروح مشطورة الفؤاد لتواجه ابنها الأكبر بما كشفته، وهي توقن أنه ربما يخفي عنها خبرا سيئا  عن اخيه كي لا يصدمها، ولم تتوقع منه غدرا بأخيه، ولما واجهته مرة ثانية، قال انه قال له إنه "سيسافر ايطاليا" وأنه لا يعلم عنه اي شيء

وبدأت الأم تشعر أن هناك شيئا غير طبيعي وأن محمد وزوجته يعلمان ما حدث لابنها الصغير وربما يكونان قد تخلصا منه لأمر ما بينهما صارحتها به عيونهم الزائغة 

وراح محمد يتشاطر مع الشيطانة جربيس ما يساوره من قلق اذا ما افتضح امرهما أمام والدته المكلومة على ابنها الفقيد فأوعزت إليه بقتلها قائلة "هنخلص عليها زي ماخلصنا على أخوك" .. انتفض محمد من مرقده من هول روعة ما قالته واخترق اذنيه ولم تمض لحظات حتى هدأت أنفاسه واستطاب فكرتها للخلاص من زن أمه، وشكوكها واتهاماتها له، ونظراتها الحادة التي توجه له ألف سهم وسهم ترشق بها روحه باللوم لصمته وكتمانه مصير شقيقه المجهول 

ورغم معارضة الزوج الشديدة وانه "استحالة يقتل أمه" الا انه أذعن لوساوس جربيس واستكان لنزغاتها الشريرة بعد أن استلت روحه مرة أخرى من بين اضلعه وطمأنته بأن الوفاة ستكون أشبه بالطبيعية كما أنها ستخفي الجثمان كما فعلت بشقيقه، قائلة له "متخفش انا هتصرف"

وفي يوم الحادث، دعت حماتها الى بيتها بحجة ان هناك أخبار عن نجلها الغائب ودست لها منوما في الطعام الذي قدمته لضيافتها وما ان رأتها بعدها خائرة القوى، خنقتها حتى فاضت روحها وبعدها أخفت الجثة في "مكان محدش يقدر يوصله" على حد تعبيرها.

عقب الحادث اصابت "محمد" حالة نفسية مزرية واهمل عمله وتجارته ولم يعد يخرج من البيت أو يرى أحدا بسبب تأنيب ضميره 

جربيس لم تعد تحتمله وبنبرة المنقذ قالت له "اعملي توكيل وانا هنزل اشتغل مكانك في المحل" 

لم يجد محمد صاحب الارادة المسلوبة التي اصبح تحت وطأتها الا ان ينصاع لأوامرها ويتركها تدير اعماله قبل أن يشحذ بسبب اهمال عمله، وفعلا عملها التوكيل

وبعدها بأيام، ذهب إلى البنك الذي يودع لديه امواله فوجد حسابه خاويا "متصفر" راوده شيطانه بالذهاب الى محل الذهب الذي يملكه ليجده مغلقا، وما أن فتحه حتى وجده مسلوبا والهواء يملأ فراغات المجوهرات المنهوبة، بينما اختفت زوجته الشيطانة وابنها  

ظل الزوج المخدوع يبحث عن زوجته الخائنة التي ظلت مختفية هي وابنه "يني" لفترة طويلة دون أي آثر لهما، وذات مرة وجد اتصالا من صديق يدله على طريقها وأنها موجودة في إحدى الشقق وتريد ان تراه لأمر ضروري، لم يكذب محمد الخبر ، وذهب غلى العنوان الذي وصفه له صديقه، وما أن وجدها داخل الشقة وجدها فعلا مع ابنه وقبل أن ينطق لسانه بكلمة، وجد غرباء ينهالون على رأسه وجسده ضربا بالشوم قاصدين إزهاق روحه، وحين وقع ولم يحرك ساكنا، ظنوا أنه مات بينما كان في الحقيقة مضرجا في دمه فاقدا للوعي  

وما هي الا دقائق حتى استفاق من غفوته ليجد النار تلتهم الشقة والسنتها امتدت لتحرق أجزاء من جسده وادخنتها تلتف حول عنقه وتكتم أنفاسه لتخنقه، لم يكن أمامه مخرجا إلا أن يقفز من الدور الثاني، وبالفعل لم يتردد وقفز من الشرفة الى الشارع منهك القوى خائر الجسد حتى أنقذه الناس، ولكن بعد أن خسر كل شيء في حياته

ومرت خمس سنوات وهو لا يرى سوى تلك الايام السوداء التي تحول فيها الى شيطان تخلص من شقيقه وامه، ويفكر في ربة ابليس التي سولت له جرائمه وكيف سينتقم منها ويسلبها روحها كما سلبته كل ما يمكلك 

ذات يوم نصحه أحد أصدقائه بأن يخرج نفسه من تلك الحالة النفسية السيئة  التي كادت ان تفتك به واصطحبه الى فيلم سينما لـ نجيب الريحاني وأقنعه أن يذهبا سويا لمشاهدة ذلك الكوميديان الضاحك "اللي مكسر الدنيا وقتها" وهو فيلم "سلامة في خير"

وبعد إلحاح شديد، نزل إلى رغبة صديقه ولكن المفاجأة ما رآه .. حيث وجد ضالته احدى بطلات الفيلم الروائي الطويل الذي يخرجه نيازي مصطفى وتشارك بطولته الشيطانة "جربيس"  أو "أم يني" وما أن رأها حتى صرخ بشكل هيستيري " هي اهي اهي اللي قتلتني وقتلت امي واخويا .. اهي" 

ولم تفلح جهود ادارة دار العرض في اسكاته وحينها توقف عرض الفيلم وارسلوا في طلب الشرطة والتي وصلت وتحرت امر ذلك "المجنون" كما وصفه من حضر الحفل الذي لم يكمل واتهمته بها ادارة السينما 

وبالفعل، توصلت الشرطة الى "جربيس" والتي كانت قصة سقوطها قصة درامية، فأثناء محاولتها الهرب إلى اليونان بكل الذهب والفلوس التي جنتها، ولكن زوجها اليوناني منعها من السفر بكل هذه الثروة المنهوبة، واندلعت بينهما مشاجرة على اثرها أخرجت سلاحا ناريا "مسدس" واطلقت عدة أعيرة منه فأصابته اصابات قاتلة، ولكن المفاجاة أن ضحيتها الأخيرة قبل أن يموت أخرج هو ايضا مسدسه وسدد اعيرة نارية في اتجاهها ولكن رميه أخطأها واصاب رأي ابنها بدلا منها، فمات في الحال

الطلقة أنهت حياة ابنها، وظلت جربيس الى جواره تصرخ وتنوح حتى خرج الناس على مصدر ذلك الصراخ فوجدوا قتيلين وهي تقبع على رأس ولدها تنتحب، وسرعان ما ارسلوا في طلب الشرطة والتي وصلت في التو واللحظة وألقت القبض عليها، وبمواجهتها اعترفت بكل جرائمها

ومثلت جربيس وشريكها "محمد عبدالله" أمام القضاء الذي قضى بإعدامهما جزاء لما اكتسبا نكالا من الله وتم اعدامها شنقا لتنتهي بطولة جربيس في دراما الواقع الشريرة التي نسجتها وحبكت عقدتها لتنتهي منسدله من عنقها في حبل الشر الذي نسجته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق