وراء جريمة طفل الإسماعيلية: حين يصنع الخيال العنيف قاتلًا في سن الطفولة


الطفل المتهم لحظة اقتياده من قبل قوات الأمن 

في واقعة هزّت الرأي العام المصري والعربي، شهدت محافظة الإسماعيلية جريمة غير مألوفة على الإطلاق: طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره أقدم على قتل زميله في المدرسة بطريقة مأساوية، متأثرًا بمشاهد من أفلام رعب وألعاب إلكترونية عنيفة.

لم يكن الحادث مجرد مأساة أسرية أو مدرسية؛ بل جرس إنذار مدوٍّ حول المخاطر الخفية التي تتربّص بعقول الأطفال في عصر الشاشات المفتوحة.





الفصل الأول: ما وراء الصدمة

عندما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الطفل المتهم، لم تكن ملامحه تشير إلى قاتل أو مجرم محترف، بل إلى تلميذ صغير اعتاد الجلوس أمام شاشة الحاسوب لساعات طويلة.

في البداية، بدا وكأنه يعيش في عالمه الخاص، لا يُدرك فداحة ما فعل. وأثناء التحقيقات، تحدّث بهدوء لافت، متحدثًا عن تفاصيل ما فعله وكأنه يروي مشهدًا من لعبة أو فيلم سينمائي.

هذا التبلّد الانفعالي — كما وصفه أحد الخبراء النفسيين — ليس قسوة أو جنونًا بالضرورة، بل نتيجة مباشرة للتعرض المفرط لمحتوى عنيف يفصل الطفل تدريجيًا عن الإحساس الحقيقي بالألم أو الخطر أو الخوف.

الفصل الثاني: من الشاشة إلى الواقع

تشير تقارير أمنية إلى أن الطفل كان متابعًا لألعاب إلكترونية تحاكي القتل بأساليب مروعة، وأنه كان مفتونًا بشخصيات سينمائية خيالية تمارس العنف كنوع من البطولة أو الانتقام.

في لحظة غضب عابرة بينه وبين زميله، اختلط الخيال بالواقع، ليتحوّل ما شاهده على الشاشة إلى سلوك فعلي.

تقول الدكتورة هالة بدوي، أستاذة علم النفس بجامعة القاهرة: "الأطفال في هذه السن لا يمتلكون النضج الكافي للتمييز بين الخيال والواقع، خصوصًا عندما يستهلكون محتوى داميًا بلا رقابة. ومع تكرار المشاهد العنيفة، يبدأ المخ في تقبّل العنف كسلوك طبيعي لحل النزاعات."


الفصل الثالث: القانون في مأزق

القضية لم تثر فقط الجانب الإنساني، بل أعادت طرح تساؤلات قانونية معقّدة:

كيف يُعاقَب طفل في الثالثة عشرة من عمره على جريمة تفوق بشاعتها إدراك الكبار؟

القانون المصري يعتبر من هم دون الخامسة عشرة غير مسؤولين جنائيًا بالمعنى الكامل، ويخضعون لإجراءات "الإيداع في دور الرعاية والإصلاح".

لكن محامي أسرة الضحية، الأستاذ محمد حسين الجبلاوي، يرى أن هذه النصوص "لم تعد كافية لردع الجرائم المستحدثة التي تشترك فيها عوامل نفسية وتكنولوجية معقّدة"، مطالبًا بتعديلات قانونية توازن بين العدالة للضحايا والتأهيل الحقيقي للجناة الصغار.

الفصل الرابع: الإعلام... المتهم الصامت

التحقيقات كشفت أن المتهم كان يشاهد يوميًا مقاطع من أفلام رعب على الإنترنت دون رقابة، وبعضها ممنوع دوليًا لمن هم دون 18 عامًا.

في المقابل، انتشرت لقطات من الحادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة صادمة، حوّلت المأساة إلى مادة ترفيهية لدى البعض، ما فتح نقاشًا واسعًا حول مسؤولية المنصات الرقمية في ضبط المحتوى العنيف.

تقول الخبيرة الإعلامية سمر نجيب:"عندما يتابع الأطفال محتوى داميًا دون سياق تربوي أو توجيه، يتحول الخوف إلى فضول، والفضول إلى تجربة. نحن نزرع بذور الخطر في عقولهم دون أن ندري."

الطفل المتهم بقتل زميله وتقطيعه بالصاروخ في الاسماعيلية

                          

الفصل الخامس: مسؤولية الأسرة والمدرسة

في حديثنا مع إحدى الأخصائيات الاجتماعيات في الإسماعيلية، أكدت أن الطفل المتهم "كان منطويًا، قليل الأصدقاء، ويقضي أغلب وقته أمام الإنترنت".

غياب الرقابة الأسرية، وافتقار المدرسة إلى برامج توعية نفسية، ساهما في عزله عن الواقع الاجتماعي.

وأضافت: "لم يكن هناك من يلاحظ إشارات الخطر المبكرة — تغير السلوك، العدوانية، الخيال المبالغ فيه — حتى تحوّلت الملاحظة المتأخرة إلى مأساة حقيقية."

الفصل السادس: دروس من الحادثة

من رحم هذه الصدمة، يبرز سؤال ملحّ: هل نحتاج فقط إلى قوانين أشد، أم إلى ثقافة أسرية ومدرسية جديدة تتعامل بوعي مع تأثير التكنولوجيا على الجيل الجديد؟

يرى علماء النفس أن الحل يبدأ من تعليم الأطفال كيفية التعامل مع المحتوى الرقمي، وليس فقط منعه. فالحجب المؤقت لا يمنع الفضول، بينما التوعية تُنمي الإدراك.

كما يوصي الخبراء بإنشاء وحدات دعم نفسي داخل المدارس، لرصد أي سلوكيات غير مألوفة في وقت مبكر.

ما بعد الإسماعيلية

قضية طفل الإسماعيلية ليست حادثًا عابرًا، بل مرآة لزمن يعيش فيه الأطفال بين عالمين:

عالم واقعي يفتقر للدفء والاهتمام، وآخر افتراضي يغريهم بالبطولة الزائفة والعنف السهل.

إنها صرخة تدعونا جميعًا — أسرة، ومدرسة، ومجتمعًا — لإعادة النظر في كيف نربّي أبناءنا في عصر الرقمنة المفتوحة، قبل أن نجد خلف كل شاشة صغيرة مأساة كبيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق