وقف ناصر الغرينيق، المواطن القطري البالغ من العمر 27 عامًا، أمام هيئة محلفين في محكمة "ساوثوورك كراون" بلندن هذا الأسبوع، ليواجه حكمًا بالسجن لمدة سبع سنوات بعد إدانته بمحاولتي اغتصاب لامرأة داخل مركز طبي.
الضحية قالت إنها كانت "متجمدة من الخوف"، في واقعة وصفت بأنها "مروعة ومفاجئة" وقعت في أحد أرقى أحياء العاصمة البريطانية.
لكن ما يجعل هذه القضية استثنائية ليست فقط تفاصيل الجريمة، بل الخلفية غير المألوفة للمتهم، الذي وُصف بأنه راعي إبل من قبيلة بدوية محافظة في صحراء قطر، لم يسبق له الخروج من بلاده قبل مجيئه إلى لندن عام 2023 لتلقي علاج نادر في القلب ضمن بعثة طبية رسمية.
من البادية إلى "شارع المليونيرات"
بحسب ما كشفته جلسات المحكمة، كان الغرينيق يقيم في عقار فخم يُعرف بـ79 Mount Street، في منطقة ماي فير الراقية وسط لندن، وهو مبنى مملوك حاليًا لدولة قطر، ويُستخدم من قبل السفارة القطرية لاستضافة الفعاليات الرسمية وبعض المواطنين في "حالات الطوارئ".
هذا العقار، الذي تصل قيمته إلى أكثر من 44 مليون جنيه إسترليني، يقع في ما يُعرف أحيانًا بـ"الدوحة الصغيرة"، نظرًا لكثافة الاستثمارات القطرية في الحي الفاخر. وبحسب بيانات السجل العقاري، فإن ملكيته تعود بشكل مباشر إلى دولة قطر.
الحادثة والدفاع المثير للجدل
وقعت الجريمة داخل حمام بمركز صحي خاص يرتبط بمستشفى رويال برومبتون الشهير، حيث سحب الغرينيق الضحية إلى كشك الحمام وحاول الاعتداء عليها مرتين، بحسب ما أثبتت المحاكمة.
الدفاع أرجع سلوكه إلى "اختلاف ثقافي عميق" وعدم معرفته بكيفية التعامل مع النساء، واصفًا إياه بأنه أشبه بـ"مراهق غير ناضج" تربى في بيئة قبلية تقليدية حيث العلاقات مع النساء محدودة جدًا.
لكن القاضي رفض هذا التبرير، مؤكدًا أن الغرينيق كان "يعلم تمامًا ما يفعل"، مشيرًا إلى الأثر النفسي العميق الذي تركته الواقعة على الضحية، والتي أصبحت "منعزلة ومذعورة وغير قادرة على ممارسة حياتها الطبيعية أو عملها أو حتى أنشطتها الدينية".
تساؤلات معلقة
رغم إدانته، تظل القضية محاطة بأسئلة محيرة: كيف وصل الغرينيق إلى لندن؟ من موّل رحلته؟ ولماذا سكن في أحد أغلى عقارات العاصمة؟
مصدر قطري أفاد أن الغرينيق كان ضمن الآلاف من المواطنين القطريين الذين تقدموا بطلبات للعلاج في الخارج عام 2023، وأن السفارة وفرّت له سكنًا مؤقتًا بعد فشل ترتيبات الإقامة الخاصة به.
وبعد اعتقاله، تم إخلاء سبيله من المبنى، وأعلنت السفارة أنها لم تقدّم له أي دعم قانوني، واكتفت بالمساعدة القنصلية الأساسية، التزامًا بالأعراف الدولية.
خلفية اجتماعية معقّدة
ينتمي الغرينيق إلى قبيلة آل مرة، إحدى أكبر القبائل في قطر والتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع العائلة الحاكمة. وتُعرف القبيلة بثقافتها البدوية الصارمة حيث لا تزال المرأة تقوم بدور تقليدي في النسيج والخيام، ولا يُسمح لها بالسفر دون إذن ولي الأمر، في ظل قوانين وصفتها منظمات حقوقية بأنها ذكورية بامتياز.
وبرغم العذر الثقافي الذي حاول الدفاع التمسك به، إلا أن المحكمة شددت على أن احترام القانون لا يخضع للاختلافات الحضارية، وأوصت بترحيله فور انتهاء فترة سجنه.
هذه القضية، بما تحمله من تشابكات ثقافية وقانونية ودبلوماسية، تطرح أسئلة حرجة عن العلاقات بين النخبة الخليجية والعالم الغربي، وحول كيفية التفاعل مع سلوكيات تعتبر جنائية في سياق قانوني، لكنها قد تُبرر اجتماعيًا في مجتمعات تقليدية مغلقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق